السلامعليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
النظافة والجمال ( بتصرف )
تلَمّحتُ على خلق كثير من الناس إهمال أبدانهم , فمنهم من لا يُنَظّف فمه بالخلال بعد الأكل .
ومنهم من لا يُنَقّي يديه في غسلها من الزهم , ومنهم من لا يكاد يَسْتاك , وفيهم من لا يكتحل , وفيهم من لا يُراعي الإبط إلى غير ذلك , فيعود هذا الإهمال بالخلل في الدين والدنيا .
أما الدين فإنه قد أمر المؤمن بالتنظّف والاغتسال للجمعة لأجل اجتماعه بالناس , ونهى عن دخول المسجد إذا أكل الثوم , وأمر الشرع بتنقية البراجم . وقَصّ الأظفار ,والسواك ,والاستحداد , وغير ذلك من الآداب .
فإذا أهمل ذلك ترَك مَسنون الشرع , وربما تعدّى بعض ذلك إلى فساد العبادة , مثل أن يُهمل أظفاره فيجمع تحته الوسخ المانع للماء في الوضوء أن يَصِل .
وأما الدنيا فإني رأيت جماعة من المُهمِلِين أنفُسَهم, يتقدّمون إلى السِّرار .
والغفلة التي أوجبت إهمالهم أنفسهم, أوجبت جهلهم بالأذى الحادث عنهم.
فإذا أخذوا في مناجاة السر, لم يمكن أن أصدف عنهم لأنهم يقصدون السر, فألقى الشدائد من ريح أفواههم.
ولعلّ أكثرهم من وقت انتباههم ما أمَرَّ إصبعه على أسنانه.
ثم يوجب مثل هذا نفور المرأة , وقد لا تَستَحسِن ذِكرَ ذلك للرجل , فيُثمرُ ذلك التفاتها عنه .
وقد كان ابن عبّاس رضي الله عنهما يقول: إني لأحبّ أن أتزيّن للمرأة , كما أحبّ أن تتزيّن لي .
وفي الناس من يقول: هذا تصنّع .
وليس بشيء, فإنّ الله تعالى زيّنَنا لمّا خَلَقَنا. لأنّ للعين حظاً في النظر, ومن تأمل أهداب العين والحاجبين. وحُسن ترتيب الخِلْقة عَلِم أن الله زيّنَ الآدمي.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أنظفّ الناس وأطيب الناس, وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم, يرفع يديه حتى تبين عفرة إبطيه, وكان ساقه ربما انكشفت فكأنها جمارة .
وكان لا يُفارقه السِّواك, وكان يَكره أن يُشَمّ منه ريحٌ ليست طيبة .
وفي حديث أنس الصحيح : ما شانه الله ببيضاء .
وقد قالت الحكماء : من نظّف ثوبه قلَّ همّه , ومن طاب ريحه زاد عقله .
وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه : " مالكم تدخلون عليّ قلحاً استاكوا " .
وقد فُضّلت الصلاة بالسّواك , على الصلاة بغير سِواك , فالمتنظّف ينعم نفسه ويرفع منها قدرها .
وقد قال الحكماء : من طال ظُفرُه قَصٌرَت يده , ثمّ إنه يَقرُب من قلوب الخلق وتُحبّه النفوس , لنظافته وطيبه .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يُحبّ الطيب .
ثمّ إنه يؤنس الزوجة بتلك الحال . فإنّ النساء شقائق الرجال , فكما أنه يَكره الشيء منها فكذلك هي تكرهه , وربما صبر هو على ما يكره وهي لا تصبر .
وقد رأيت جماعة يزعمون أنّهم زُهّاد وهم من أقذر الناس , وذلك أنهم ما قوَّمَهم العلم .
وأما ما يُحكى عن داود الطائي : أنه قيل له لو سَرّحت لحيتك , فقال : إنّي عنها مشغول , فهذا قول معتذر عن العمل بالسنة , والإخبار عن غيبته عن نفسه بشدة خوفه من الآخرة , ولو كان مُفيقاً لذلك لم يتركه , فلا يُحتَجّ بحال المغلوبين .
ومن تأمل خصائص الرسول صلى الله عليه سلم رأى كاملاً في العلم والعمل . فبه يكون الاقتداء وهو الحجة على الخلق .